سرديات قصيرة ////////////////// ابتزاز عاطفي //////////////////

سرديات قصيرة
 ــــــــــــــــــــــ
            ابتزاز عاطفي
                                 بقلم
                         أحمد عبد اللطيف النجار
                                 أديب  عربي

العلاقة بين الإخوة والأشقاء  يجب أن تكون علاقة رحمة ومحبة  ومودة ، لا علاقة استغلال فرص وأحياناً فرض نفوذ !
ذلك أن ما يربط بين الأشقاء هو صلة الدم التي هي أقوى من أي صلة في الوجود ، وكثيراً ما يصيبني الهم والغم الكبير عندما أرى العلاقات المتوترة بين الإخوة من أب وأم واحدة وكأنهم الإخوة الأعداء لا الإخوة المتحابين المتراحمين !
هناك من الأشقاء من يعتقد اعتقاداً خاطئاً أن علاقته بأخوته إنما هي علاقة إذعان  وفرض للأمر الواقع وأنهم يجب أن يلبوا علي الفور كل طلباته كما تعود علي ذلك في الصغر !
مثل هذا الأخ يكون غالباً شخص أناني ، نرجسي لا يهمه سوى مصلحته فقط وليذهب الجميع للجحيم !!
صاحبي عبد القادر جاءني ذات ليلة حائرا حزيناً من تصرفات أخيه الأصغر قائلاً : نشأت في أسرة سعيدة لأبوين متحابين
وأخ وأخت يصغرانني ، مضت رحلة الحياة بنا ونحن حريصون  علي رضا أبوينا ، ننفذ وصيتهم  لنا وأهمها أن نتحاب فيما بيننا ونتماسك  ونحرص دائماً علي علاقتنا الأخوية ببعضنا البعض .
تخرجت وعملت  وتزوجت وتخرجت أختي سعاد التي تليني في العمر وتزوجت ، وتخرج أخي الأصغر حسن وأصر علي الزواج بعد تخرجه مباشرة من زميلته نسرين ، ولم يستمع لنصيحتنا له أن يتروى قليلاً ويصبر حتي يؤدي الخدمة العسكرية  ويعمل عملاً مستقراً ، لكنه أصمّ أذنيه  عن أي نصيحة وأصرّ علي موقفه متهماً الجميع بعدم الاهتمام بسعادته  حتي اضطر ابي مرغماً للسير في خطوات الزواج وهو غير مقتنع  قائلاً لنا أنه يعرف ابنه جيداً  ويعلم أنه يثق في قرار نفسه أن احتياجاته  ومطالبه لابد أن تكون فوق كل الاعتبارات !
تم عقد القران  وتوالت بعده مشاكل خطيبته نسرين مع أسرتي  وبادرت الجميع بالتحفظ والحساسية والتربص لأي كلمة نصدر منهم
أصبح  أى رأي يبديه أبي  بشأن خطوات الزواج مرفوضاً من جانبها دون  تفكير حتى نفض أبي يده من الأمر كله وطلب من حسن أن يفعل بحياته ما يشاء دون الرجوع إليه !
اضطررنا جميعاً مسايرة التيار إرضاءً لشقيقنا حسن وحتى لا نتعرض للعداء من خطيبته نسرين .
تزوج حسن بعد عقد القران بأشهر قليلة معتمداً في زواجه علي مرتب شهرى من أبي  وليس علي عمله مثلما فعلت أنا ، وبعد أن انتهي من خدمته العسكرية استقر في عمل مناسب  وأنجب أول أطفاله ، وبعد بضعة أعوام رحل أبي عن الحياة تاركاً وراءه ميراثاً صغيراً يعيننا علي العيش بكرامة .
كان الميراث عبارة عن مساحتين صغيرتين من الأرض الزراعية  في بلدتنا بشرق الدلتا ، أحدى هاتين القطعتين في الجهة الشرقية من البلدة والأخرى في الجهة الغربية ، بالإضافة إلي عقار من دورين ، هذا إلي  جانب معاش أمي .
بعد انتهاء العزاء بدأنا في إجراءات تقسيم الميراث وفوجئنا بأخينا حسن يصّر علي أن يأخذ نصيبه في الميراث كله  في قطعة الأرض الشرقية  بحيث يستقل بها دوننا ، في حين يقضى العدل  أن نتقاسم  كلنا قطعة الأرض  الشرقية وقطعة الأرض الغربية  والعقار كل حسب نصيبه الشرعي .
حاولت مع أخي بكل السبل والطرق أن يقبل بما شرعه الله لنا وعرضت عليه أأن نقسم الأرض حسب الشرع واستبدل معه وحدى نصيبي في الأرض الغربية  بنصيبه في الأرض الشرقية رغم علمنا جميعاً بأن قيمة الأرض الشرقية أغلي  لأنها أكثر خصوبة  وسعرها مرتفع كما أنها ملاصقة لكردون البلدة ومرشحة للدخول في زمام المباني ذات يوم .
عرضت عليه ذلك حتي لا أخسره لكنه رفض بكل أسف هذا العرض ، وطالبني بما لا أملكه وهو أن أقنع أختي وزوجها بأن يفعلا ما فعلت وإلا فنحن لا نريد له ما يحقق مصلحته ، وعقدنا جلسات عائلية عديدة وحّكمنا بيننا الأهل دون جدوي !
وفوجئت ذات يوم بإنذار قضائي من محام مشبوه سيئ السمعة
في بلدتنا يبلغني فيه أن أخي سوف يطعن في قسمة الميراث أمام المحكمة ويتهمني بإخفاء مبلغ كبير من المال يزعم أن أبي تركه وراءه في البيت ولم ندخله نحن في الميراث كي نحرمه من نصيبه فيه !!
ساعتها لم أصدق عيني حين قرأت الإنذار  وبكيت حزناً علي أبي الذي كرّس حياته لتربيتنا ورعايتنا  وتعليمنا المبادئ الدينية والأخلاقية وكافح طوال حياته كي يوّفر لنا الحياة الكريمة .
اجتمعت مع أمي وأختي وزوجها وأبلغتهم بالخبر ، وقلت لهم أن أخونا حسن قد باع صلة الرحم بطمعه وأنني لا أتصور أن أقف أمامه في المحكمة وأسيء إلي ذكري أبي الطيب في بلدتنا ، واقترحت في النهاية  أن نقبل بما يريد  مع أنه لا حق له فيه ، ووافقني الجميع  ونحن متأكدين أن زوجته نسرين هي التي تحرّضه علي هذا الموقف ألعدائي منا .
لم ينته الأمر عند هذا الحد كما كنت أتصور ، فقد راح أخي كل بضعة أسابيع  يثير مشكلة جديدة  ويطالبني بشئ ليس من حقه  ويستعين بالمحامي المشبوه  علي ارغامي للاستجابة له  ، حتي أصبحت حياتنا  سلسلة متواصلة من ألازمات والتهديدات القضائية وانتهي الأمر  بأن قاطعنا حسن نهائياً  ولم يبق علي صلة له بأسرته حتي أمه !!
كانت زوجتي تنصحني دائماً بعدم الضعف مع أخي  لأنني بذلك أفّرط  في حق أولادي .
رغم كل شيء لم أكف عن محاولة استعادة صلة رحمي بأخي
الذي يقابل كل محاولاتي بجفاء وتحفظ وعدم تجاوب في الخير.
مرت السنوات وسافر أخي حسن للعمل بالخارج مع زوجته وأولاده ونرك توكيلاً لصهره والمحامي المشبوه لإدارة شئون أرضه ، ولم يفكر أن يأتمنني عليها ، ولم أغضب لذلك ، لكنني تعجبت في أن يأتمن الغرباء  ويخوّنني !
مضت السنوات وهو لا يزورني ولا يتصل بي ولا بأخته وأمه ، وعرفت من الناس أنه قد شارك بمدخرات الغربة شخص جاء به المحامي المشبوه  في مشروع لإنشاء مصنع لتعليب وتعبئة الخضروات والفاكهة  في الأرض التي يملكها ، وبعد سبعة أعوام في الغربة رجع واستقر في مصر .
ذات يوم فوجئت به يتصل بي في بلدتنا بعد أعوام طويلة من القطيعة بيننا يصرخ ويبكي قائلاً أن محاميه قد تواطأ مع شريكه علي سرقته وأنهما نهبا المبلغ الكبير الذي شارك به في رأس مال المشروع إلي جانب الأرض !
ويطلب مني أن أسافر إليه فوراً للوقوف بجانبه  في هذه الكارثة لأنني أخوه وهو يحتاج إلىّ !
سمعت زوجتي صباح القصة كلها وسألتني : لماذا لم يتذكر إنكم إخوة سوى الآن ؟! لماذا .... ولماذا ..؟!
للحق أقول أنها كانت مُحقة  في كل ما تقول ،، بعد ذلك توالت الأحداث عاصفة  بصورة مفجعة حيث استولي المحامي المشبوه بالاتفاق مع شريك أخي علي الأرض كلها والمصنع المُقام عليها بالتوكيل الذي كتبه حسن لهم !
قام أخي برفع دعوى قضائية عاجلة ضد شريكه والمحامي
المشبوه ، لكنه خسرها بسبب ألاعيب المحامي الشيطانية وانتهى الأمر بأن خسر حسن كل شيء ....نعم كل شيء !!
مرت الأعوام وفوجئت بحسن يتصل بي ويرجوني أن استبدل معه الأرض المتبقية له بقطعة من الأرض الغربية التي آلت لي بالميراث لأنه يشعر بالاكتئاب كلما رأى مصنعه المنهوب !
عرضت الأمر علي زوجتي فرفضت نهائياً هذا الاقتراح قائلة أن هذا هو حق أولادنا ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط فيه ،، فذهبت للمحامي الذي أتعامل معه وعرضت عليه الموضوع ، فاستمهلني فترة للبحث وبعد مدة اتصل بي قائلاً أن خريطة التوسع العمراني في بلدتي مشتول السوق قد حددت إمكانية التوسع العمراني في البلدة  بالاتجاه غرباً وليس شرقاً كما كان الشائع من قبل وذلك لخصوبة الأرض الزراعية في الشرق من ناحية ، ولتعذر نقل مقابر البلدة التي تعترض  التوسع شرقاً من ناحية أخرى ، بل وأكثر من ذلك فلقد علمت أن أخي حسن قد عرف بهذا  الأمر منذ أسابيع عن طريق المحامي المشبوه الذي غدر به وخانه واغتصب ماله ، وأن هذا المحامي قد اتصل به وأوهمه أنه يريد تعويضه عما خسر في مشروعه بمساعدته علي شراء أرض في الناحية الأخرى من البلدة ، وحاول حسن بالفعل شراء أي قطعة أرض في الجهة الغربية ولم يفلح ، فاتصل بي  عارضاً عليّ استبدال أرضى بأرضه وكتم الأمر كله عني وخرج عليّ بقصة الاكتئاب النفسي وأنه لا يطيق رؤية ماله المنهوب ليستدرجني لاستبدال أرضه !
هل تصدق ذلك يا صاحبي ؟!!
لقد وصل به الأمر إلي خداعي وتضليلي بحجة أن ما يطلبه هو لأسباب صحية تساعده علي العلاج من الاكتئاب وليس لأسباب مادية حقيرة !!
والله لقد دمعت عيناي حزناً وأسفاً حين اكتشفت الحقيقة المُرة وصارحت زوجتي صباح بها ، فشعرت بالانتصار المعنوي لتحقق ظنها في أخي حسن ابن أبي وأمي !
حذرتني صباح من الانخداع بدموعه وتوسلاته  واكتئابه المزعوم ، لأنه لا هدف له سوى مصلحته فقط .
  الآن أنا حائر بين توسلات أخي حسن ودموعه واتصالاته المكثفة بي والضغط عليّ بذكريات الطفولة والصبا  ووالدنا الراحل يرحمه الله ، وضعف أمي معه وأمنيتها الصامتة أن استجيب له بالرغم من علمها بأنني سأتعرض للظلم مرة أخرى لو فعلت ما يرضيها ويرضى أخي .
وزوجتي صباح تصّر علي ألا استجيب لمطلب أخي  وتذكرني بمصالح أولادنا  وحاجتهم في المستقبل  لسند ومعين .
إنها تستنكر ضعفي مع أخي ، وذلك هو نفس رأي أختي وزوجها ......بماذا تنصحني ..؟!
$$ أخي وحبيبي عبد القادر ، زوجتك محقة  في كل ظنونها ، فكل الوقائع التي ذكرتها إنما تدل علي ابتزاز عاطفي رخيص  يزاوله عليك أخيك الأصغر حسن ،، هناك فارق كبير يا صاحبي
بين أن تتنازل لأخيك عن بعض حقك  إرضاءاً له وحرصاً علي صلة رحمك ، وبين الخضوع المستمر له والاستجابة لكل رغباته  التي لا سند لها من العدل والحق إلي ما لا نهاية ، مع ما في ذلك من  إضرار مؤكد لك ولأولادك !
إنه لشئ مؤسف حقاً يدعو للاشمئزاز ذلك السلوك الأناني لشقيقك الذي يسعي جاهداً إلي استدراجك لمبادلته بقطعة من أرضك الواعدة مقابل قطعة أقل قيمة منها ، مخفياً عنك دوافعه الحقيقية لهذا الخداع المزرى ، مستغلاً فيك طيبة قلبك ومشاعر الأخوية نحوه بالرغم من سجله الشائن معكم واغتصابه لحقوقكم اغتصاباً !!
هنا تدخلت عدالة الله وسلّطت عليه من اغتصبوا أضعاف ما اغتصب من إخوته وأمه ، وشعر أمامهم بالعجز وقلة الحيلة  بأضعاف ما شعر به إخوته وأمه وهم يقبلون مرغمين أن يميزوه عنهم في ميراث أبيهم بلا سند من شرع أو دين أو قانون !
إنه حقاً إنسان شديد الأثرة والأنانية ، لا يري سوى نفسه  ورغباته وتطلعاته ولا يتورع في سبيل تحقيق كل أهدافه عن استخدام كل الوسائل ، ويقبل بالحرام  ولو كان مغتصباً من إخوته ذوي رحمه !!
كيف هانت عليه أمه وإخوته بتهديدهم  بقطع الرحم ومنازعته أمه وإخوته في المحاكم والإساءة لذكرى أبيه الراحل ؟!!
إن ما حدث لأخيك الطماع ، إنما هو تجسيد حي  وواقعي لمقولة الامام مالك بن أنس رضى الله عنه  ( قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما !) .
أما أنت يا صاحبي فلست مطالباً بتعويضه عما ذهبت به رياح الجشع وسوء التقدير من ماله .
وإذا كنت من ذوى النفوس الكريمة  الذين يعملون بوصية  سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه  حين سُئل : لمن يكون الإحسان ؟.. فأجاب لمن أساء إلينا ..فأنت هنا تستطيع مبادلته بأرضه كما يريد ولكن بالقيمة الحقيقية لها وبمقارنة بالقيمة المستقبلية لأرضك وفقاً لأحكام السوق وقواعد العرض والطلب ودون تفريط أو مغالاة .
فإذا قبل بذلك فأنك نكون قد أرضيت ربك أولاً، ثم طبيعتك المضحية التي تعلي الاعتبارات العائلية والدينية علي بقية الاعتبارات ، وإن لم يقبل فهو حر في تصرفاته وحياته ولا لوم عليك في شيء ، فالابتزاز العاطفي لا يمكن أن يحقق أهدافه إلي ما لا نهاية !!
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                              أديب  عربي



تعليقات