سرديات قصيرة
$$$$$$$$$$
لوعة الأحزان
بقلم
أحمد
عبد اللطيف النجار
أديب عربي
لم
يُخلق الدمع لامرئ عبثاً
الله
أدرى بلوعة الأحزان
ذلك
بيت فريد ونادر من عيون الشعر العربي لابن الرومي ، فالدموع تطهر جراح الروح ،
لذلك تهدأ أحزان من يستطيعون البكاء بأسرع
كثيراً مما تهدأ أحزان من حُرموا نعمة البكاء ، فالدموع نعمة ولولاها لما استطاع
الكثيرين احتمال آلامهم ، ولو لم تكن كذلك لما استودعها الله عز وجل مآقي البشر .
وعلي الإنسان أن يتقبل دائماً
ما تسمح به الحياة من أسباب السعادة ، فإن
تحقق له ما أراد شكر ، وإن حالت الظروف دونه صبر .
صاحبي فؤاد مهندس في العقد الخامس
من عمره ،
تزوج منذ عشر سنوات من ماجدة ،
الفتاة ذات الخُلق والدين والجمال ، فاكتملت سعادته بوجودها .
رغم معيشتهم المتواضعة البسيطة
؛ فقد كانت زوجته تتحلي بالقناعة والرضا بالقليل وتحسن التدبير .
لقد وجد فيها العوض عن كل نقص
مادى في حياته ، فهي من ذلك النوع من النساء الذي تغمره روح الرضا بكل شئ وتشيع جو
من المحبة والجمال في كل ما تفعل ، لقد شعر الرجل أن الحياة أعطته كل ما يريد ،
ويتساءل بينه وبين نفسه : تُرى ماذا ستأخذ منه الحياة؟ .. لعلمه أن الحياة لا تعطي إنسان كل شيء ولابد من شئ ناقص ، فالكمال لله وحده .
لقد حُرموا من نعمة الإنجاب ومرت
عليهم سنوات وسنوات ، ومحاولات ومحاولات لا حصر لها ، حتي إنه وهو المهندس المتعلم
المثقف كان يستسلم للوصفات البلدية ورضي أن يفعل ما يفعله البسطاء من الناس حين
يتعلقون بأمل الإنجاب .
اغتسل بماء به جنين سقط في
شهوره الأولي ، ورش الماء علي الطرقات أملاً في أن يرزقه الله بالذرية .
وسريعاً ما كان يتوب إلي الله
ويستغفره ويشكره علي نعمه التي لا تُعد ولا تُحصي .
عشر سنوات كاملة وهو يجرى وراء
الأمل في طفل
ولم يصيبه اليأس والإحباط .
منذ شهور كرر التحاليل التي أجراها مئات المرات، وفي كل
مرة تأتي النتيجة سلبية ويقابله موظف المعمل
بنفس الإشفاق قائلاً له قبل أن يعطيه نتيجة التحليل :
الصبر طيب ، فيعرف النتيجة
مقدماً ويبقى صامتاً صابراً ، وفي المرة
الأخيرة ذهب إلي المعمل في الموعد المحدد وقلبه قانط باليأس ، وفوجئ بابتسامة
عريضة علي وجه الموظف وقبل أن ينطق قال له ألف مبروك ، فطفرت دمعة من عينيه !
هو لا يكاد يصدق ما سمع ، ونزل
من المعمل مهرولاً إلي زوجته الصابرة الطيبة ، واستقبلته بنظرة الرجاء المعتادة ، وهي مشفقة عليه
من الحزن الذي ينتابه بعد كل تحليل فاشل ، وزف اليها البشرى وزرفا الدموع
من الفرحة وشكرا الله كثيراً وأديا
صلاة الشكر للخالق عز وجل ، وعاشا أياماً سعيدة كعروسين في مقتبل العمر !
لقد حملت زوجته الصابرة ماجدة
بحمد الله ، وكثيراً ما كان يصطحبها
فؤاد في زيارتها الدورية للطبيب لمتابعة
الحمل ، ثم للخروج للأسواق لشراء أجمل
الملابس للمولود القادم ، مرت شهور الحمل السعيدة وقد تغيّر طعم الحياة في بيتهم
الصغير !
جاءت لحظات الولادة وجاء
الفرج وخرج إلي الوجود طفلاً آية في
الجمال ، تبارك الله فيما خلق .
ساعتها وقف فؤاد مبهوراً
سعيداً وسط أهله وأصدقائه والجميع سعداء ،
أما زوجته ماجدة فقد كان وجهها ملائكياً بعد الولادة .
ذهب الجميع إلي البيت سعداء
ومعهم زائر السعادة الذى انتظروه عشر سنوات كاملة !
ولكن .......... آه من لكن
....آه ثم آه ثم آه !!!!!!
بعد عدة أيام أيقظته زوجته من
النوم بعد منتصف الليل ، فقام مذعوراً ليري وجه طفله الحبيب شاحباً وأنفاسه تتلاحق
؛ فهرول إلي الشارع بملابس نومه ليحضر طبيباً ، وجاء الطبيب لينعي لهم فلذة كبدهم
وأملهم في الحياة الدنيا !!!
انطفأت شمعة الفرحة في البيت
السعيد ، وتحوّل مذاق الحياة في فم صاحبي إلي مرارة ودموع تنساب بغزارة ، وتحجّرت عيناه من هول الصدمة
!!!
طالت بهم الأحزان إلي ما لا
نهاية ، لكن لكل شيء نهاية .... وللأحزان نهاية أيضاً .
ومهما تكون لوعة الأحزان لابد
أن تستريح النفس وترضي بالمقدر والمقسوم .
فالرضى من أهم عوامل راحة النفس
وتقبلها لمشيئة الله وهو وحده قادر أن يعوّضهم
عن الراحلين .
ومن ابتلاه الله بفقد الولد
وصبر وحمد واسترجع ، أي قال إنا لله وأنا
إليه راجعون ؛ أسكنه الله في الآخرة بيت الحمد ، وما أعظمه من بيت في الحياة
الآخرة ، إنه جائزة الرحمن للحامدين الصابرين الشاكرين .
وكان ولده الراحل نوراً يضئ
طريقه يوم يمشي علي الصراط وولده الراحل يأخذ بيده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا
من أتى الله بقلب سليم ، وقد عايشت صدمة فقد الولد بنفسي عندما توفي ابني الأوسط
عمر وعمره كان ستة سنوات ، كان ذلك منذ 14
عاماً ، والله لقد رأيت ولدي يفقد حواسه كلها حاسة بعد أخرى وأنا عاجز عن عمل أي
شيء له ،، فقد كان مرضه نادر جداً يحدث في العالم كله بنسبة واحد × 4 مليون كل ربع قرن ،، بعد وفاة ولدي الحبيب حمدت الله
ودفنته بيدى في المقبرة واسترجعت الله ،،، وبعد مرور يومان فقط علي الوفاة كانت
روحه معي ليلاً ونهاراً لمدة شهر كامل ،، حتي عندما كنت أصلي كنت أشعر بروحه فوق
كتفي يلعب معي مثلما كان يفعل وهو حي يُرزق !
وكنت أبكيه كثيراً ؛ فترتاح روحي بعد البكاء .
وحمدت الله وكنت أراه في نومي
وهو يشير إلي مبني كبير جداً شديد البياض ولا يقول أي شئ آخر .
والحمد لله في كل حال وإنا لله
وإنا لله وإنا أليه راجعون
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب عربي
تعليقات
إرسال تعليق